مقالات واراء

علم من أعلام التصوف، قطب العارفين، وترجمان الواصلين، ومرشد السالكين العارف بالله (إبن عطاء الله السكندري)

علم من أعلام التصوف، قطب العارفين، وترجمان الواصلين، ومرشد السالكين العارف بالله (إبن عطاء الله السكندري)
إعداد/ د. محمد احمد غالى

العارف بالله إبن عطاء الله السكندري هو تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامي نسباً. ولد ابن عطاء الله فى الإسكندرية عام ٦٥٨ هـ ، الموافق لعام ١٢٦٠ م ، تلقي منذ صباه العلوم الدينية والشرعية واللغوية، لذا فقد نشأ فَقيهاً يَشتغل بالعلوم الشَرعية تماما مثل نشأة جده لوالده الشيخ أبي محمد عبد الكريم بن عطاء الله. كان فى بداية حياته طالباً للعلوم الشرعية من تفسير وحديث وفقه وأصول، وللعلوم العربية من نحو وصرف ولغة وبيان، وكان ينكر على الصوفية إنكاراً شديداً، تعصباً للفقهاء. بعد فترة صاحب أبو العباس المرسي، وتصوف على طريقة أبو الحسن الشاذلي، وقتها زال تعصبه لأهل علم الظاهر، وزال إنكاره للتصوف، ولم ينقطع عن طلب العلم فى هذه الفترة، لأنه أدرك أن التصوف لا يعني ترك العلم أو التجرد عن أي أمر دنيوي آخر يُقْصَدُ به وجه الله تعالى. ورث ابن عطاء الله علم الشيخ أبي العباس المرسي، وبعد وفاة شيخه المرسي عام ٦٨٦ هـ ، آلت إليه زعامة الطريقة الشاذلية، وصار القائم على طريقة شيخه والداعي لها من بعده. ثم انتقل إلى القاهرة حيث أقام فيها واشتغل بالتدريس والوعظ في الجامع الأزهر الشريف، وشهد له العلماء بالفضل وغزارة المعرفة وعمقها ودقتها. شهد له شيخه أبو العباس المرسي قائلاً: “الزم، فوالله لئن لزمت لتكوننَّ مفتياً في المذهبين”. يريد مذهب أهل الشريعة (أهل علم الظاهر)، ومذهب أهل الحقيقة (أهل علم الباطن). وشهد له الإمام الذهبي حيث قال : “كان ابن عطاء الله يتكلم بالجامع الأزهر، فوق كرسي بكلام يروِّح النفس، ويمزج كلام القوم بآثار السلف وفنون العلم، وكانت له جلالة عجيبة، ووقعٌ في النفوس، ومشاركة في الفضائل”. وفيه كثير من الشهادات تظهر كلها صدقه وإخلاصه، وعلو مكانته العلمية، واستقامة طريقته وعلمه ومنهجه.
ترك ابن عطاء الله السكندري كتبا ومصنفات كثيره منها ما فقد ومنها الموجود، وترك أيضا حكما كثيرة بلغ عددها (٢٦٤) حكمة، وقد ترجم العديد منها إلى اللغة الإنجليزية و اللغة الإسبانية، ومن أبرز كتبه ومصنفاته : {لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن، وأصول مقدمات الوصول، ومفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح، والتنوير في إسقاط التدبير، وتاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس، والقصد المجرد في معرفة الإسم المفرد، وأهم كتبه التى حظيت بقبول وانتشار كبير هي ” الحكم العطائية على لسان أهل الطريقة”}.

 

من حكم وأقوال ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه : “إعلم أن المجانسة تكون بالمجالسة، إن جلست مع المسرور سُرِرت ، وإن رافقت الغافلين غفلت ، وإن جلست مع الذاكرين ذكرت ، وإن صاحبت النائمين نمت، وإن صاحبت أموات الدين يمُت دينك في قلبك ( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ )
فلذلك قال لمريم : { وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ }، وقال تعالى :{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }. فتبَصر أمرك و تدبر حالِ صَحبِك، وإن وفقك الله إلى صُحبة طيبة فأكثر من شُكر الله على هذه النعمة العظيمة”.
ومن حكمه أيضا : “لاَ تَطْلُبْ مِنْهُ أَنْ يُخْرِجَكَ مِنْ حَالَةٍ لِيَسْتَعْمِلَكَ فِيمَا سِوَاهَا ؛ فَلَوْ أَرَادَكَ لاسْتَعْمَلَكَ مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجٍ”.
لم تقتصر حكمة ابن عطاء الله على النثر بل شملت الشعر أيضا حيث كتب قصائد كثيرة تميزت بذلك الفيض من الحب والعشق الإلهي، المخاطب للروح والوجدان، والمكلل بتاج نوراني لامع مشرق. يتضح ذلك جليا فى قصيدته المشهورة (ظهرت لكل الكون) التي يجسد فيها إحدى حكمه المعروفة وهي: (لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك، ولا قطيعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك). يقول ابن عطاء السكندري في تلك القصيدة :

 

{ ظهرت لكل الكون فالكون مظهر
وفيه له أيضا كما جاءت الصحف*
فأي فؤاد عن ودادك ينثني
وأية عين بعد قربك لن تغفو*
وكلي محتاج وأنت لك الغنى
ومثلي من يخطي ومثلك من يعفو*
وأنت الذي أبدى الوداد تكرماً
ومثلك من يرعى ومثلي من يجفو*
وما طاب عيش لم تكن فيه واصلا
ولم يصف لا والله أنى له يصفو*
عزمت على أن أترك الكون كله
وأقفو سبيل الحب والمجتبى يقفو*
شهود كمو يجلو الحجاب لأنه
إذا حقق…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى